تصاعد الأزمة في غزة: الجيش الإسرائيلي يعلن استخدام "قوة غير مسبوقة" ودعوات للنزوح الجماعي

تشهد مدينة غزة حالة من التوتر غير المسبوق، حيث حذر الجيش الإسرائيلي، يوم الجمعة، من أنه سيستخدم "قوة غير مسبوقة" في المدينة، ودعا السكان إلى النزوح جنوباً، في خطوة جاءت بعد ساعات من إغلاق الطريق المؤقت الذي كان يسمح بالإجلاء، والذي تم فتحه قبل 48 ساعة فقط.
يأتي هذا التحذير في ظل حملة عسكرية مكثفة تستهدف مناطق يُعتقد أنها معاقل لحركة حماس والجماعات المسلحة الأخرى، وسط موجة نزوح جماعي شهدتها المدينة في الأيام الأخيرة.
وفي بيان نشرته حسابات الجيش الإسرائيلي على منصة "X"، قال المتحدث باسم الجيش الناطق بالعربية، أفخاي أدرعي: "من هذه اللحظة، الطريق المؤدي جنوباً عبر شارع صلاح الدين مغلق. ستستمر قوات الدفاع الإسرائيلية في العمل بقوة غير مسبوقة ضد حماس والجماعات الإرهابية الأخرى."
وأضاف أدرعي أن الطريق الوحيد المتاح للنزوح جنوباً هو عبر شارع الرشيد، ودعا السكان لاستغلال الفرصة والانضمام إلى مئات آلاف السكان الذين غادروا المدينة إلى المناطق الإنسانية المخصصة لهم.
تأثير الحملة العسكرية على السكان المدنيين
شهدت غزة خلال الأسبوع الماضي ضربات مكثفة بواسطة الدبابات والطائرات والمدفعية الإسرائيلية، مما أدى إلى نزوح حوالي 60 ألف شخص في غضون 72 ساعة فقط، وفق مسؤول في الأمم المتحدة. وأكد الجيش الإسرائيلي أن عدد المدنيين الذين غادروا المدينة منذ بدء العمليات العسكرية الأخيرة قد بلغ نحو 450 ألفاً، مستنداً إلى تقديرات متعددة من بينها المراقبة الجوية بالطائرات بدون طيار.
وأدت هذه العمليات إلى تدمير مساحات واسعة من المدينة، التي كانت تعد مركزاً تجارياً وثقافياً حيوياً قبل الأزمة، حيث يعيش أكثر من مليون شخص قبل اندلاع الحرب، العديد منهم نزحوا مرات عدة خلال السنوات الماضية. ووفقاً للأمم المتحدة، فقد تجاوز عدد النازحين من غزة خلال الشهر الأخير ربع مليون شخص، فيما يضطر عشرات الآلاف يومياً لمغادرة مساكنهم المؤقتة في مواجهة الهجمات الإسرائيلية الجديدة.
معاناة السكان والظروف الإنسانية
يروي النازحون قصصاً مأساوية عن حياتهم اليومية في ظل القصف المستمر. وقال سامي بارود، 35 عاماً، من غزة الغربية: "حياتنا أصبحت عبارة عن انفجارات وخطر مستمر. فقدنا كل شيء – حياتنا ومستقبلنا وإحساسنا بالأمان. كيف أتمكن من الإخلاء وأنا لا أملك وسيلة للنقل؟" وأضافت أم محمد الحطاب، 49 عاماً: "لا نملك مكاناً نذهب إليه، ولا نستطيع تحمل تكلفة الانتقال. أنا وأطفالي السبعة ما زلنا نعيش في خيام بعد قصف منزلنا."
وتُظهر مشاهد وكالة فرانس برس من طريق الرشيد الساحلي طوابير طويلة من الفلسطينيين يتجهون جنوباً سيراً على الأقدام أو في مركبات محملة بأمتعتهم القليلة، في حين ارتفعت أسعار وسائل النقل بشكل كبير، مما أجبر البعض على السير مسافات طويلة مع أطفالهم وممتلكاتهم.
ردود الفعل الدولية ومواقف الدول الكبرى
وسط هذا التصعيد العسكري، تتسارع التطورات السياسية والدبلوماسية على الساحة الدولية. ففي خطوة غير مسبوقة، تستعد المملكة المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين، ربما في وقت مبكر من يوم الجمعة، بعد فشل إسرائيل في تحقيق شروط مسبقة كان من الممكن أن تؤخر هذه الخطوة، مثل وقف إطلاق النار واستئناف المساعدات الإنسانية. وأكد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن الاعتراف الفلسطيني لن يشمل حركة حماس، وأن الحكومة الفلسطينية ستخضع للانتخابات خلال عام واحد، في محاولة لضمان دولة فلسطينية مستقرة وشرعية.
في الوقت نفسه، أعلنت لوكسمبورغ أنها ستعترف بدولة فلسطين، معتبراً ذلك خطوة حيوية للحفاظ على عملية السلام في الشرق الأوسط. وقال رئيس الوزراء لوكسمبورغ، لوك فريدن: "نود أن نبقي الأمل حياً لدى الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في أن يعيشا يوماً ما بسلام." وأشار إلى أن اعتراف دولته سيكون "لحظة مهمة في عملية طويلة نحو السلام والاستقرار في المنطقة."
وعلى الرغم من ذلك، أعربت واشنطن عن معارضتها لاعتراف المملكة المتحدة بفلسطين، معتبرة أنه لا يعزز الحل على المدى الطويل، فيما أعادت الولايات المتحدة استخدام حق النقض في مجلس الأمن لمنع قرار يطالب بوقف دائم لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
التمويل والدعم الإنساني للفلسطينيين
في سياق الدعم المالي للفلسطينيين، أوقفت ألمانيا مؤقتاً دفع مبلغ طارئ قدره 30 مليون يورو للسلطة الفلسطينية، رغم الاتفاق المسبق لدفع الرواتب للمعلمين والعاملين في قطاع الصحة، بسبب مخاوف نواب برلمانيين حول مشاريع التمويل وضمان عدم استغلال الأموال في أنشطة تهدد أمن إسرائيل. ويشير مسؤولون إلى أن الوضع الاقتصادي في مناطق السلطة الفلسطينية بات حاداً منذ بداية الحرب على غزة، بما أدى إلى تأجيل بدء العام الدراسي.
تقديرات النزوح وآثار العمليات العسكرية
تؤكد التقديرات الرسمية للجيش الإسرائيلي أن نحو 480 ألف فلسطيني قد غادروا جنوباً منذ أواخر أغسطس الماضي، في محاولة من القوات الإسرائيلية للسيطرة على أكبر مركز حضري في القطاع. وتسيطر القوات الإسرائيلية حالياً على الضواحي الشرقية لمدينة غزة، وقد بدأت التحرك نحو أحياء الشيخ رضوان وتل الهوى، وهي مناطق استراتيجية تمهيداً للتقدم نحو وسط وغرب المدينة حيث لا يزال معظم السكان يقيمون.
المواقف الأوروبية والأممية
على صعيد آخر، أعربت ألمانيا وإسبانيا عن اختلافاتهما في تقييم الأزمة. فقد وصف المستشار الألماني، فريدريش ميرز، رد الجيش الإسرائيلي في غزة بأنه "غير متناسب"، مؤكداً ضرورة السماح بانتقاد الحكومة الإسرائيلية دون أن يتحول ذلك إلى تحريض على الكراهية ضد اليهود. بينما دعمت إسبانيا بالكامل المقترحات الأوروبية لفرض عقوبات على إسرائيل، محذرة من أن الهجوم العسكري سيتركها أكثر عزلة.
تداعيات إقليمية وأمنية
تأتي هذه التطورات وسط تحركات إقليمية أخرى، أبرزها إعلان وزير الدفاع الباكستاني استعداد بلاده لتوفير قدراتها النووية للسعودية بموجب اتفاقية دفاعية جديدة، في إشارة ضمنية لإسرائيل. كما شهدت المنطقة قضايا أمنية أخرى مثل اعتقال المشتبه به الرئيسي في هجوم عنصري على مطعم يهودي في باريس عام 1982 بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، في خطوة اعتبرت انتصاراً للعدالة الدولية.
ماذا بعد
تشير الأحداث الجارية إلى أن غزة تواجه أسوأ موجة نزوح منذ عقود، وسط تصعيد عسكري غير مسبوق من الجيش الإسرائيلي يهدف للسيطرة على مناطق استراتيجية. بينما تتباين المواقف الدولية بين مؤيد ومعارض للاعتراف بفلسطين، تبقى المعاناة الإنسانية في قلب الأزمة، مع تحديات ضخمة أمام السكان النازحين وأزمة تمويل عاجلة للسلطة الفلسطينية. ومع اقتراب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ستظل قضايا الفلسطينيين وسياسات إسرائيل في غزة على رأس جدول الأعمال، وسط ضغط دولي متزايد لإيجاد حلول عاجلة ومستدامة للأزمة المتصاعدة.