ترامب يصعّد حملته ضد الإعلام: تهديد بسحب تراخيص البث يثير جدلاً دستوري

في رحلة العودة من زيارته الرسمية إلى بريطانيا، أطلق الرئيس دونالد ترامب تصريحات صادمة للصحفيين على متن طائرة الرئاسة، مقترحاً أن تقوم لجنة الاتصالات الفيدرالية (F.C.C) بالنظر في سحب تراخيص القنوات التي تبث تغطية سلبية عنه. ترامب وصف الشبكات الكبرى بأنها “ذراع للحزب الديمقراطي”، مضيفاً: “ربما ينبغي سحب تراخيصها”. هذه الكلمات مثلت تصعيداً غير مسبوق في المواجهة بين البيت الأبيض والمؤسسات الإعلامية، وحملت في طياتها تهديداً باستخدام صلاحيات حكومية لمعاقبة قنوات معارضة.
هجوم سياسي بغطاء تنظيمي
تصريحات ترامب جاءت في أعقاب اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك، وهي حادثة استغلها البيت الأبيض لإطلاق سلسلة إجراءات تستهدف مجموعات ليبرالية ومنظمات مجتمع مدني. الإدارة أعلنت نيتها مراقبة الخطاب على الإنترنت، والتشكيك في الوضع الضريبي لبعض المنظمات، وحتى التهديد بتصنيفها كجماعات إرهابية محلية. وبينما تقول الإدارة إن هذه الخطوات ضرورية لمكافحة خطاب الكراهية، يرى الديمقراطيون وجماعات الحريات المدنية أنها ليست سوى غطاء لحملة قمع واسعة ضد الأصوات المعارضة.
دور لجنة الاتصالات تحت المجهر
برندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية والمقرّب من ترامب، أصبح محورياً في هذه الأزمة. فقد أشاد به ترامب علناً واصفاً إياه بأنه “وطني ورجل قوي”، وحثه على النظر في تراخيص المحطات المحلية التي تبث برامج من الشبكات الوطنية. كار من جانبه ألمح في مقابلات إعلامية إلى أن ما حدث مع برنامج جيمي كيميل ليس سوى بداية، مؤكداً أن “تحولاً كبيراً يطرأ على النظام الإعلامي، وستتواصل تداعياته”. تصريحه بأن تراخيص البث “امتياز مشروط بخدمة المصلحة العامة” أثار مخاوف من إعادة تفسير المعايير القانونية بشكل سياسي.
قضية كيميل كشرارة للأزمة
تعليق برنامج جيمي كيميل على شبكة ABC بعد ضغوط مباشرة من كار شكل نقطة تحول مركزية. فقد اعتبر كثيرون أن الأمر لم يكن مجرد خلاف حول كوميديا ليلية، بل سابقة خطيرة تكشف قدرة الحكومة على التأثير في برمجة الشبكات عبر التهديد التنظيمي. تصريحات ترامب الأخيرة ربطت بشكل واضح بين هذه السابقة وبين دعوته إلى سحب تراخيص أوسع من قنوات إخبارية وترفيهية اعتبرها منحازة ضده.
معركة قانونية تلوح في الأفق
من الناحية القانونية، تملك لجنة الاتصالات صلاحية نادرة لإلغاء تراخيص البث بحجة “المصلحة العامة”. لكن خبراء القانون الدستوري يؤكدون أن استخدام هذا المعيار لمعاقبة تغطية إعلامية ناقدة سيصطدم مباشرة بالتعديل الأول من الدستور الأميركي، الذي يحمي حرية الصحافة. آنا غوميز، العضو الديمقراطي الوحيد في اللجنة، قالت بوضوح: “لا نملك السلطة أو الحق الدستوري لمعاقبة الإعلام بسبب خطاب لا يعجب الحكومة”. هذه المواجهة تضع الإدارة في مسار تصادمي محتمل مع القضاء.
تناقض صارخ مع خطاب “محاربة الرقابة”
المفارقة أن ترامب والجمهوريين عادوا إلى البيت الأبيض وهم يرفعون شعار مواجهة “ثقافة الإلغاء” وإعادة الحرية للخطاب العام. الرئيس نفسه تعهد في خطابه الافتتاحي بـ“وقف الرقابة الحكومية وإعادة حرية التعبير إلى أميركا”. لكن خطواته الأخيرة، من الضغط على القنوات إلى استهداف منظمات معارضة، تعكس تحولاً حاداً عن هذا الوعد، لتثير اتهامات بأنه يستبدل “ثقافة الإلغاء” اليسارية بنسخة يمينية ترعاها الدولة.
البيت الأبيض يوسّع الهجوم
لم يقتصر الهجوم على القنوات الكبرى، بل شمل أيضاً تهديدات بفرض قيود على منح التأشيرات، وطرح خطط لمراقبة المنصات الرقمية بشكل أكثر عدوانية. شخصيات بارزة في الإدارة مثل نائب الرئيس جي دي فانس، ووزيرة العدل بام بوندي، ومستشار البيت الأبيض ستيفن ميلر، شاركوا في الدفع بهذا التوجه، ما يعكس أن الحملة ليست نزوة عابرة من الرئيس، بل سياسة حكومية منسقة. هذه الخطوات أثارت قلقاً واسعاً داخل الكونغرس، حيث حذّر نواب ديمقراطيون من أن البلاد تتجه نحو “نموذج رقابة سلطوي” تحت غطاء الأمن القومي.
ما بين الإعلام والسياسة
القضية لا تنحصر في خطاب ترامب أو مصير برنامج كيميل، بل تكشف عن تحول جوهري في العلاقة بين الإعلام والسلطة السياسية في الولايات المتحدة. إذا أصبحت التراخيص أداة ضغط سياسي، فإن ذلك قد يغيّر شكل الصحافة الأميركية لعقود قادمة. وبينما يعتبر مؤيدو ترامب أن هذه الإجراءات تصحيح لانحياز إعلامي مزمن، يرى معارضوه أنها بداية معركة وجودية على روح التعديل الأول نفسه، وهو العمود الفقري للديمقراطية الأميركية.