سياسة

الجارديان: أوروبا بين فقدان الحليف الأمريكي وصعود النفوذ الصيني

الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي

أوروبا تواجه اليوم مرحلة حرجة في سياستها الخارجية. علاقتها مع الولايات المتحدة أصبحت غير مستقرة، وفي الوقت نفسه فقدت التوازن في تعاملها مع الصين، لتجد نفسها محاطة بقوى متناقضة تمارس عليها ضغوطًا متزايدة.

الاعتماد التاريخي على واشنطن

سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين كانت لفترة طويلة مرتبطة بتوجهات الولايات المتحدة. عندما حاول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما توجيه الاهتمام إلى آسيا عام 2011 لكنه فشل بسبب الانشغال بأزمات الشرق الأوسط، اعتقد الأوروبيون أن علاقتهم بالشرق يمكن أن تظل اقتصادية بالدرجة الأولى، مع وضع الأمن في الخلفية.

حتى في ظل التوترات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، شبه الجزيرة الكورية، ومضيق تايوان، كانت أوروبا تنظر إلى الصين أساسًا من منظور اقتصادي، معتبرة أن مبادرة الحزام والطريق لا تحمل بعدًا استراتيجيًا حقيقيًا. لكن تصاعد الخلافات بين واشنطن وبكين، خصوصًا خلال فترة ترامب وبايدن، دفع أوروبا إلى إعادة النظر في موقفها، معتبرة الصين منافسًا وربما خصمًا استراتيجيًا.

التحول الأوروبي نحو "خفض المخاطر"

بدأت أوروبا بتبني سياسات مثل مراجعة الاستثمارات، الرسوم الجمركية، وضوابط التصدير تجاه الصين، دون التخلي عن علاقاتها الاقتصادية معها، وهو ما عُرف بمفهوم "خفض المخاطر". هذا التحول كان مرتبطًا بموقف واشنطن، لكنه أصبح اليوم يثير الغضب في بكين دون أن يضمن دعمًا أمريكيًا ثابتًا، خصوصًا في ظل سياسات ترامب المتقلبة التي ترى أوروبا أداة لإلحاق الضرر بالصين دون تحمل تبعاته.

أسئلة معقدة دون إجابات سهلة

أوروبا تواجه اليوم مجموعة من التساؤلات الصعبة: هل يجب تعزيز الحماية التجارية لمواجهة آثار الفائض الصناعي الصيني؟ هل يجب تشجيع نقل التكنولوجيا الصينية لتجنب حرب تجارية؟ هل يجب الاستفادة من التكنولوجيا الخضراء الصينية لتسريع الانتقال الطاقي أم تقليل الاعتماد عليها؟ وفي الدول النامية، هل يمكن للاتحاد الأوروبي مواجهة مبادرة الحزام والطريق أم ينبغي أن يكتفي بجعل مشاريعه مكملة لها؟

التحديات الداخلية: الديمقراطية الليبرالية

أوروبا تواجه تحديًا داخليًا كبيرًا مع تصاعد القوى اليمينية المتطرفة، الاستقطاب السياسي، المعلومات المضللة، والتطرف، مما يهدد الحريات الأساسية وسيادة القانون. الصين، رغم أنها لا تدعم هذه الحركات بشكل مباشر، تمثل نموذجًا اقتصاديًا ناجحًا للحكم الاستبدادي، مما يلهم بعض القوى داخل أوروبا. لذا، تقع المسؤولية على أوروبا لإثبات قوة وفاعلية الديمقراطية الليبرالية.

التحديات الأمنية: الحرب في أوكرانيا

فيما تدعي الصين الحياد، إلا أن ممارساتها العملية تميل لصالح روسيا. الصداقة غير المحدودة بين شي جينبينغ وفلاديمير بوتين تظهر جليًا، فيما تظل جهود الصين لحل أزمة أوكرانيا ضعيفة. أوروبا تجد نفسها غير قادرة على دفع الصين للابتعاد عن روسيا أو وقف دعمها العسكري والتكنولوجي، ما يزيد من تعقيد موقفها الأمني، خاصة في ظل ضعف الدور الأمريكي الواضح في حماية القارة.

أوروبا بين المطرقة والسندان

روسيا تمثل تهديدًا أمنيًا حيويًا لأوروبا، والصين تراقب أوروبا من زاوية المنافسة مع الولايات المتحدة. في ظل غياب الضمانات الأمريكية واستمرار التهديد الروسي، تصبح قدرة أوروبا على التصدي للتحديات محدودة، خصوصًا إذا كانت الصين وروسيا تمثلان معًا محور ضغط مزدوج.

تم نسخ الرابط