مقالات

“طارق أحمد مصطفى” يكتب : في البدء كان التدريب

الحوار

وجميعنا مررنا على قاعة التدريب يوماً ما، وربما من حيث لا ندري حولت هذه القاعة مسار حياتنا، وأحدثت فينا أثراً عميقاً لم ندرك وقتها أنها أحدثته فينا إلا بعد أن عدنا لنواجه مواقف الحياة فوجدنا أنفسنا نراها بوجه جديد.

أشعلت قاعة التدريب حماسنا لأشياء، وهدّأت من روعنا تجاه أشياء، ساعدتنا تلك القاعة - وما دار فيها من حوار وتفاعل وما مارسنا فيها من نشاط - على أن ندرك الأمور على نحو مختلف ونعيد ضبط ميزان القيمة. 
ولم يكن ذلك أثر المدربين وحدهم ولا المواد العلمية وحدها، بل هو أثر التجربة التدريبية كاملة، حتى الزملاء المشاركون وما أضافوه من تفاعل ونقاش قد أحدث فينا أثراً.

المدرب الذي يؤمن برسالته ويحب ما يقوم به، يجد متعته الحقيقية في رؤية لمعة عين المتدرب لحظة الانفتاح المفاجئ لوعيه، حين يكتشف معناً جديدًا أو يعيد النظر إلى المفاهيم من زاوية أعمق، فيتغير إدراكه للعالم ويعيد تشكيل منظوره الذي ظل زمنًا طويلاً يطل من خلاله على العالم.

وهكذا التدريب وتعليم الموجه للكبار، يستقبل أناساً لديهم قدر من خبرات الحياة وتجاربها ما قد يزهّدهم في المزيد من المعرفة ويكوّن لديهم مقاومة للتغيير، فإذا نجح المدرب في استدراجهم لتفكيك قناعاتهم وإعادة تركيبها بشكل أكثر جودة ووعياً، وشجعهم على أن يكتشفوا في أنفسهم طاقات وإمكانات كانوا قد يئسوا من وجودها، فإنه يكون كمن أحيا نفوساً بعد مواتها وأنقذها من التلاشي في ضباب الحياة والذوبان في الجموع المهمشة.

التدريب يصنع المستحيل في تغيير النفوس البشرية خاصة إذا أداه مدربون مؤمنون بالإنسان، صادقون في حمل رسالة التغيير والتنمية.

والتدريب هو سبيل تحرير الشعوب من القهر واليأس، والأداة المجربة لنفض الغبار عن قدرات الإنسان اللامحدودة، من أجل استخراج الجوهر الثمين من ملكاته الإبداعية، والتي هي الثروة الحقيقية لأي مجتمع، الثروة التي لا تضاهيها أي ثروات مادية.

ولأن الإنسان هو محور كل نهضة حضارية وغايتها، فإن أنشطة وبرامج التدريب والتعليم والتثقيف والتوعية، وكذلك تعديل السلوك وتنمية المهارات وبناء القدرات، تظل هذه الأنشطة والبرامج دائمًا هي الخطوة الأولى لأصلاح أي مجتمع وبناء مشروع حضاري طموح.

تم نسخ الرابط