"ترامب يفتح باب الانتقام السياسي: توسع غير مسبوق في صلاحيات الرئيس يهدد مستقبل الديمقراطية الأمريكية"

منذ وصوله إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، لم يخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن لديه "قائمة أعداء" يريد ملاحقتهم. الجديد هذه المرة أنه لم يكتفِ بالتصريحات، بل مضى يطالب علنًا بمحاكمة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي، بتهمة الكذب على الكونغرس. الخطوة كانت كفيلة بإثارة موجة من الخوف داخل الدوائر السياسية والأمنية في واشنطن، ليس فقط بين خصوم ترامب، بل حتى بين أنصاره الذين بدأوا يتساءلون: ماذا لو انقلب السحر يومًا ما على الساحر؟
فالمشهد اليوم مختلف. كاش باتيل، مدير الـFBI الحالي، هو الرجل الذي ينفّذ أجندة ترامب في استهداف خصومه. لكن الأصوات الديمقراطية تعالت بالفعل لتتهمه هو نفسه بالكذب خلال جلسات تثبيته أمام الكونغرس، عندما أقسم ألا يستخدم منصبه للانتقام السياسي. بمعنى آخر، السيف الذي يشهره اليوم ضد الآخرين قد يُرفع غدًا في وجهه.
بهذا، يجد الأمريكيون أنفسهم أمام واقع جديد: رئيس يستخدم سلطاته بشكل لم يجرؤ عليه من سبقه، فيسعى لإسكات إعلاميين مثل جيمي كيميل، ويضغط على هيئة الاتصالات الفيدرالية لمعاقبة قنوات تلفزيونية كبرى، بل ويهدد بملاحقة جماعات يسارية بعد اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك. حتى داخل المعسكر الجمهوري، وُجهت انتقادات لهذا النهج. السيناتور تيد كروز شبّه أسلوب الضغط على ABC بـ"تكتيكات المافيا"، محذرًا من أن الديمقراطيين سيفعلون الشيء نفسه عندما يستعيدون السلطة. أما تاكر كارلسون، الإعلامي اليميني المعروف، فذهب أبعد من ذلك حين قال: "إذا استطاعوا أن يخبرك بما تقوله، فهم يخبرونك بما تفكر فيه".
المخاوف هنا لا تتعلق فقط بمسألة الانتقام من الخصوم. ما يثير القلق الأعمق هو أن ترامب يوسع من حدود السلطة التنفيذية بشكل غير مسبوق: يتحدى سلطة الكونغرس في الإنفاق، يعزل قادة هيئات مستقلة، يتدخل في عمل الاحتياطي الفيدرالي، ويطرح نفسه كحاكم فوق المؤسسات. خبراء مثل بريندان نايهان من جامعة دارتموث يحذرون من أن هذه الصلاحيات لن تنتهي مع ترامب؛ بل ستنتقل إلى أي رئيس يليه، ديمقراطيًا كان أو جمهوريًا. وهو يطرح السؤال الذي يوجع المحافظين: "هل تريدون أن تمنحوا هذه السلطات يومًا ما لرئيسة مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز لتقرر وحدها ميزانية وزارة الدفاع؟".
بهذا المعنى، فإن ما يفعله ترامب اليوم قد يفتح الباب أمام دورة لا تنتهي من الانتقام السياسي. كل إدارة جديدة ستسعى إلى تصفية حسابات مع الإدارة السابقة، في مشهد أقرب إلى أنظمة العالم الثالث منه إلى ديمقراطية عمرها أكثر من قرنين. قد يختار رئيس ديمقراطي في المستقبل التراجع عن هذه السوابق ليؤكد أنه مختلف، لكن التاريخ الأمريكي يقول إن أي توسع في صلاحيات الرئيس نادرًا ما يتم التنازل عنه.
الآن، ومع اتساع دائرة الخوف حتى داخل معسكر "ماغا"، تبدو الولايات المتحدة أمام مفترق طرق خطير: إما أن تكبح جماح السلطة التنفيذية وتعيد التوازن بين المؤسسات، أو تدخل في حقبة جديدة من "الانتقام المتبادل" الذي سيجعل كل انتخابات رئاسية بداية لجولة جديدة من التصفيات السياسية.