فايننشال تايمز: هل مهدت النخبة السياسية الطريق لترامب وفاراج؟ تقرير تحليلي

خلال الأيام الأخيرة قدّم دونالد ترامب ونيغ فاراج مقترحاتً استفزازية تؤكد ثقة متزايدة لدى اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن أبحاثًا جديدة تقترح أن جزءًا من هذا الزحف السياسي لم يظهر من العدم: ربما فتح «التيار الرئيسي» السياسي ثغرات تمّت امتلاؤها لاحقًا من قبل القوى الشعبوية.
إطار البحث: فجوة التمثيل بين الناس والنخبة
يعتمد التحليل الأخير لعلمي الاقتصاد السياسي لورينز غونتر على مقارنة تفضيلات الجمهور مع مواقف السياسيين التقليديين. النتيجة: توافق عام على القضايا الاقتصادية، لكن تباعد واسع على القضايا الثقافية والاجتماعية — مثل الهجرة وسياسة الجريمة — حيث يميل المواطنون إلى رغبة أقوى في «الترتيب والضبط والاندماج الثقافي» بينما تميل صفوف النخبة إلى سياسات أكثر شمولية وتسامحًا.
ما يخلق الفرصة لليمين الشعبوي: «فجوة التمثيل»
ينشأ فراغ سياسي كبير (representation gap) عندما يكون عدد كبير من الناخبين غير ممثلين بمواقف الأحزاب التقليدية. هذا الفراغ بات هدفًا جاهزًا لحركات اليمين الشعبوي التي تملأه بخطاب يركّز على الهوية والأمن الثقافي، قبل أن تتحول هذه القضايا إلى محرك انتخابي قوي.
دلائل عبر الدول: من أوروبا إلى الولايات المتحدة
في الولايات المتحدة يُرى تفاوت واضح بين ناخبِي الوسط والموقف الرسمي لنخبِ الحزب الديمقراطي، وخاصة في المسائل المتعلقة بالهجرة.
الدنمارك استثنائية؛ حين اتخذت الأحزاب التقليدية موقفًا أكثر تشدّدًا بشأن الاندماج (2019) انخفض الدعم لـ«اليمين المتطرف» لأن الناخبين شعروا بأن مخاوفهم تتم معالجتها.
الاستنتاج العمومي: التحوّل السياسي ليس محض صدفة، بل يتأثر بمدى استجابة الأحزاب التقليدية لمخاوف الناس.
الهجرة والجريمة: ما تريد البيانات أن تقول
البيانات لا تظهر رفضًا مطلقًا للهجرة؛ بل تُظهر علاقة بين مخاوف الجمهور و«التهريب/الهجرة غير النظامية» وفشل الاندماج. وبالنسبة للجريمة، تزايد السلوكيات غير النظامية وانخفاض معدلات القبض أو المحاكمة في بعض الدول أوحى للناس بأن النخبة إمّا لا ترى المشكلة أو عاجزة عن حلها — ما زاد من الاستياء الشعبي.
ماذا عن الاستجابات السياسية الواقعية؟ دروس مستخلصة
مجرد الخطاب الحاد (rhetoric) لا يكفي؛ الإجراءات العملية هي التي تُقوّي ثقة الناخبين.
أمثلة ناجحة: تغيّر مواقف الوسط المحافظ في ألمانيا أدى إلى تقلّص دعم «البديل من أجل ألمانيا».
أمثلة غير ناجحة: خطابٌ انتقادي عن القيم في بريطانيا لم ينقل الدعم لصالح القوى التقليدية، ولم يضعف بالضرورة من قدرات اليمين البديل.
توصيات للتيار السياسي التقليدي
التحول من الكلام إلى العمل: سياسات عملية ومعلومة لمعالجة الهجرة غير النظامية وفشل الاندماج.
معالجة مشكلات الأمن المحلي بوضوح: سياسات تنفيذية تُظهِر أنّ النخبة قادرة وملتزمة بحماية النظام العام.
التحسين المؤسسي للتمثيل: إغلاق الفجوات التمثيلية عبر برامج تواصل وسياسات تستجيب لقيم شرائح عريضة من الناخبين.
ممر الخطاب أم سبب الانتصار؟
لا يمكن تحميل النخبة وحدها مسؤولية صعود ترامب وفاراج، لكن الأدلة تشير إلى أن استمرارية الفجوة بين تفضيلات الجمهور ومواقف الساسة التقليديين خلقت أرضًا خصبة للقوى الشعبوية. إن لم تتعامل الأحزاب السائدة مع القضايا الواقعية وبصورة آنية ومقنعة، فالمشهد السياسي قد يشهد مفاجآت انتخابية مؤلمة أخرى.