ماكرون: ضم الضفة الغربية "خط أحمر" لواشنطن وقد يقوّض اتفاقات أبراهام

أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحات حادة بشأن مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤكدًا أن أي خطوة إسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية ستُعد "خطًا أحمر" بالنسبة للولايات المتحدة. وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبلغه بشكل مباشر أن مثل هذا التحرك سيؤدي إلى انهيار اتفاقات أبراهام التي فتحت الباب أمام تطبيع تاريخي بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. هذا الموقف، الذي كشف عنه ماكرون في مقابلة مع قناة فرانس 24، يعد من أوضح الإشارات حتى الآن إلى حجم القلق الدولي من احتمال انزلاق المنطقة نحو مواجهة سياسية جديدة تُهدد ما تبقى من مسار التسوية.
خطة ثلاثية الصفحات لمستقبل فلسطين
وكشف ماكرون أنه قدم لترامب خطة مفصلة من ثلاث صفحات حول مستقبل فلسطين، مبنية على "إعلان نيويورك" الذي حظي بدعم أكثر من 143 دولة. هذه الوثيقة تطرح تصورًا لإبعاد حركة حماس عن أي دور سياسي مستقبلي في غزة أو الضفة، مع التمهيد لمرحلة جديدة من الحكم الفلسطيني القائم على إصلاحات وإعادة هيكلة للسلطة الوطنية. وأوضح الرئيس الفرنسي أن الهدف من هذه الخطة هو توحيد الرؤية بين الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية، لتشكيل جبهة دبلوماسية مشتركة تضع حدًا للتباينات التي طالما أعاقت جهود السلام.
الاستيطان في قلب الأزمة
وفي حديثه عن مشاريع التوسع الاستيطاني، انتقد ماكرون الخطة الإسرائيلية لبناء أكثر من 3,400 وحدة سكنية جديدة في الممر المعروف باسم E1، الذي من شأنه تقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة وفصل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني. وأكد أن الأوروبيين والأمريكيين يقفون على أرضية مشتركة في رفض هذه المشاريع، معتبرًا أن الاستيطان يقوّض أي إمكانية لبناء دولة فلسطينية متصلة الأطراف وقابلة للحياة.
مخاوف بريطانية من انقلاب الموقف الأمريكي
لم تقتصر التحذيرات على باريس. فمصادر بريطانية أعربت عن خشيتها من أن يقدم ترامب على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، كرد فعل على قرارات أوروبية وأسترالية بالاعتراف بدولة فلسطين. خطوة كهذه، إن حدثت، ستوجه ضربة قاصمة لحل الدولتين الذي ظل لسنوات حجر الزاوية في السياسات الغربية تجاه الصراع.
اتفاقات أبراهام أمام اختبار مصيري
شدّد ماكرون على أن الضم لن يوقف فقط المساعي لإحياء عملية السلام، بل سيطيح أيضًا باتفاقات أبراهام، التي ينظر إليها ترامب كأحد أبرز إنجازاته الدبلوماسية في ولايته الأولى. وأوضح أن الإمارات بعثت برسائل صريحة مفادها أن التطبيع لن يستمر إذا أقدمت إسرائيل على ضم أراضٍ فلسطينية. هذا التهديد يضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام معضلة سياسية، إذ يقف بين مطرقة حلفائه في اليمين المتطرف الذين يطالبون بالضم، وسندان الضغوط الأمريكية والعربية التي تحذر من عواقب هذه الخطوة.
انتقادات لسياسة "الحرب الشاملة" في غزة
في موازاة ذلك، وجّه ماكرون انتقادات مباشرة إلى استراتيجية نتنياهو العسكرية في غزة، معتبرًا أن "الحرب الشاملة" لم تحقق أيًا من أهدافها المعلنة. وقال إن أعداد مقاتلي حماس لم تتقلص، وإن استمرار القصف والعمليات العسكرية يهدد حياة الرهائن ويعمّق معاناة المدنيين. واتهم الحكومة الإسرائيلية بعدم إعطاء الأولوية لإطلاق سراح الأسرى، مشيرًا إلى أن ضرب المفاوضين في قطر وتصعيد الهجمات على غزة يثبت أن الاعتبارات السياسية تغلب على الجهود الإنسانية.
خيار العقوبات الأوروبية مطروح
لمّح ماكرون إلى أن أوروبا قد تضطر لدراسة فرض عقوبات إذا استمر التصعيد الإسرائيلي دون أي أفق سياسي. ورغم إقراره بوجود انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي – خاصة مع ألمانيا وإيطاليا – إلا أنه أكد أنه يسعى لبناء توافق أوسع حول هذه الخطوة. وأوضح أن بقاء الوضع الراهن دون تغيير سيؤدي إلى فقدان مصداقية أوروبا في الملف الفلسطيني ويجعلها مجرد متفرج على التطورات.
الحاجة إلى أفق سياسي للفلسطينيين
في ختام تصريحاته، شدّد الرئيس الفرنسي على أن الحل لا يكمن فقط في وقف الحرب، بل في منح الفلسطينيين أفقًا سياسيًا حقيقيًا يعترف بحقهم في دولة مستقلة. وقال: "إذا لم يُمنح هذا الشعب طريقًا سياسيًا لوجوده الشرعي الذي اعترفت به الأسرة الدولية قبل 78 عامًا، فإن البديل سيكون اليأس أو انفجار موجات عنف جديدة." هذه الرسالة، الموجهة لترامب قبل نتنياهو، تختزل رؤية باريس بأن واشنطن تبقى اللاعب الوحيد القادر على الضغط الفعلي على إسرائيل، وأن استقرار الشرق الأوسط سيتوقف على قرارات البيت الأبيض في المرحلة المقبلة.