الإيكونوميست: البحث عن العبقرية في عصر الذكاء الاصطناعي

بينما تُنفق الحكومات مليارات الدولارات على الشرائح الإلكترونية والمصانع المتقدمة لضمان التفوق في سباق الذكاء الاصطناعي، يظل الاستثمار في العنصر البشري أقل بكثير من حجمه الحقيقي. قصة الشاب البوسني إرفين ماتيتش، الذي فاز بميداليات في الأولمبياد الدولي للرياضيات لكنه اضطر إلى الدراسة على أجهزة قديمة في جامعة محلية بسبب عجزه عن دفع رسوم أكسفورد، تكشف مأساة "الآينشتاينات المفقودين". هؤلاء هم العباقرة الذين لم تتح لهم الظروف المناسبة ليتحولوا إلى قادة علميين قادرين على تغيير العالم.
سباق دولي على استقطاب العقول
أمريكا والصين تتصدران المشهد في معركة استقطاب العلماء. الصين أنشأت برنامج "آلاف المواهب" لاستعادة أبنائها المهاجرين، بينما تعتمد الولايات المتحدة على تأشيرات خاصة لاستقطاب "الأفراد ذوي القدرات الاستثنائية". الاتحاد الأوروبي واليابان يسيران في الاتجاه ذاته، لكن التركيز ما زال على جذب الكفاءات القائمة لا على اكتشاف جيل جديد من العباقرة.
الشركات ترى في العباقرة استثمارات بمليارات
شركات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات الكبرى باتت تتعامل مع الباحثين الموهوبين كأصول نادرة يمكن أن تفتح أبواب اختراقات علمية بمليارات الدولارات. فكرة "المهندس الذي يعادل إنتاجه عشرة آلاف شخص" لم تعد خيالًا، بل أصبحت جزءًا من أساطير وادي السيليكون. لكن هذه الرؤية تجعل السوق يبالغ في قيمة "النجوم"، بينما يتجاهل المواهب الصاعدة التي لا تملك نفس الفرص.
جغرافيا غير عادلة
العبقرية قد تولد في أي مكان، لكن الفرص ليست متاحة للجميع. أغلب الفائزين بجوائز نوبل وخرّيجي الجامعات الكبرى ينتمون إلى أسر ميسورة في دول متقدمة. الدراسات تؤكد أن الأطفال من أغنى 1% في أمريكا أكثر عرضة عشر مرات ليصبحوا مخترعين مقارنة بأقرانهم من أسر فقيرة. النتيجة أن المواهب في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية غالبًا لا تجد طريقًا للظهور.
مرحلة المراهقة: لحظة الاكتشاف
أكثر اللحظات حساسية لاكتشاف العبقرية هي سنوات المراهقة. مسابقات مثل الأولمبياد الدولي للرياضيات أو المسابقات العلمية تكشف المواهب مبكرًا، لكن غياب الدعم المالي والمؤسسي يجعل كثيرًا منهم يتوقفون عند تلك المرحلة. على عكس الرياضة التي طورت أنظمة كشف للمواهب منذ عقود، يظل العلم في حاجة إلى "أكاديميات دولية" تتيح للنجوم الصاعدين التدريب والتطور.
بيئة داعمة وإرشاد حقيقي
العقل الموهوب يحتاج إلى معلمين ملهمين وشبكات من أقران أقوياء. دراسات حديثة أوضحت أن مجرد وجود نوادٍ رياضية أو علمية في المدارس يزيد من فرص بروز المواهب. الأمثلة التاريخية مثل "جون فون نيومان" أو حتى قصص معاصرة من الهند وجورجيا تؤكد أن البيئة الداعمة قادرة على مضاعفة فرص الإبداع.
أزمة الجامعات العالمية
رغم أن الجامعات الكبرى مثل MIT أو أكسفورد تمثل بوابات رئيسية للعباقرة، فإن رسومها الباهظة والمنح المحدودة للطلاب الدوليين تحرم آلاف المواهب من الالتحاق بها. هذا الخلل يعني أن كثيرًا من العقول النادرة تبقى حبيسة جامعات محلية غير قادرة على صقل إمكاناتهم.
مبادرات فردية تكسر الحواجز
بعض المبادرات الخاصة بدأت تملأ الفراغ، مثل Global Talent Fund أو Rise، التي تقدم منحًا ودعمًا للمراهقين الموهوبين من دول فقيرة. النتائج المبكرة مشجعة: طلاب هذه البرامج تمكنوا من إنجاز بحوث وأفكار ابتكارية في وقت قياسي، ما يثبت أن الاستثمار في العبقرية أقل تكلفة بكثير من الاستثمار في البنية التحتية الضخمة.
الخلاصة: العبقرية هي الاستثمار الأذكى
في النهاية، الذكاء الاصطناعي قد يغيّر شكل العالم، لكن من يقوده هم العقول البشرية. الدول التي ستفوز في سباق المستقبل ليست فقط تلك التي تمتلك أسرع الحواسيب أو أكبر مراكز البيانات، بل أيضًا تلك التي تعرف كيف تكتشف "الآينشتاينات المفقودين" وتمنحهم الفرصة ليزدهروا.