سياسة

فايننشال تايمز | هل يستطيع مجلس الأمن إنقاذ الأمم المتحدة من السقوط في هاوية عدم الجدوى؟

الأمم المتحدة
الأمم المتحدة

مع اقتراب الأمم المتحدة من الاحتفال بذكرى تأسيسها الثمانين، يبدو أن المنظمة التي وُلدت عام 1945 وسط آمال كبيرة في بناء نظام دولي قائم على التعاون والسلام، تواجه أخطر اختبار في تاريخها. فبينما تتصاعد الحروب في أوكرانيا وغزة والسودان، ويتعمق الشلل داخل مجلس الأمن، تتزايد التساؤلات عما إذا كانت الأمم المتحدة قد تحولت إلى مؤسسة عتيقة لم يعد العالم يستمع إليها.

من خطابات همرشولد إلى عزلة غوتيريش

عرفت الأمم المتحدة منذ نشأتها أن قوتها الحقيقية تكمن في قدرتها على المنبر والرمزية. الأمين العام الراحل داغ همرشولد كان نموذجًا لذلك، إذ استطاع أن يجذب أنظار العالم بخطاباته التي جمعت بين الجرأة والدبلوماسية. اليوم، يحاول أنطونيو غوتيريش السير على نفس النهج، لكنه يواجه عالمًا أقل إنصاتًا وأكثر انقسامًا. تصريحاته الأخيرة ضد العمليات الإسرائيلية في غزة، رغم قوتها، مرت في كثير من الأحيان بلا صدى يُذكر، ما يعكس تراجع تأثير المنظمة.

أزمة داخلية وخارجية متزامنة

يرى المحللون أن الأمم المتحدة تعاني من أزمتين متداخلتين:

أزمة داخلية مرتبطة بتآكل سلطتها وقدرتها على التأثير، خصوصًا في مناطق النزاع والفقر.

أزمة خارجية ناجمة عن عودة صراع القوى الكبرى، حيث أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى شلل في مجلس الأمن، فيما تتبنى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهجًا أحاديًا يضعف قيم الميثاق الأممي.

تحدي البدائل وتحولات الجنوب العالمي

مع تصاعد خيبة الأمل من فاعلية الأمم المتحدة، بدأت قوى كبرى في الجنوب العالمي مثل الهند والبرازيل ونيجيريا، إلى جانب قوى تقليدية مثل كندا وأوروبا، التفكير في بدائل أو تكتلات موازية لمعالجة القضايا العالمية. هذا التوجه يمثل تهديدًا وجوديًا للمنظمة، إذ يضعها أمام خطر أن تصبح مجرد نسخة جديدة من عصبة الأمم التي فشلت في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية.

واشنطن: الحليف والخصم

لطالما كانت الولايات المتحدة اللاعب الأكثر تأثيرًا في الأمم المتحدة: المؤسس، الممول الأكبر، والمنتقد الأشد. لكن علاقة المنظمة بواشنطن اليوم تمر بمرحلة توتر غير مسبوقة. فقد قدم مشرعون جمهوريون أكثر من 20 مشروع قانون يهدف إلى تقليص مشاركة أميركا في المنظمة أو الانسحاب الكامل منها. وتبقى إسرائيل نقطة خلاف رئيسية، حيث تعتبر واشنطن أن الأمم المتحدة تميل ضدها بشكل هيكلي.

إصلاح أم تقليص؟

ردًا على الضغوط، طرح غوتيريش مبادرة UN80 التي تتضمن إعادة هيكلة واسعة وخفضًا في الموازنات يصل إلى 20%. المؤيدون يرون في الأزمة فرصة لإعادة توجيه المنظمة نحو مهامها الأساسية الثلاث: السلام والأمن، التنمية، وحقوق الإنسان. لكن آخرين يحذرون من أن مجرد التقليص من دون رؤية جريئة سيجعل الإصلاح بلا جدوى.

خلافات حول الأولويات

الجدل الأكبر يدور حول الأولويات المستقبلية:

هل يجب على الأمم المتحدة أن تركز على الأمن والسلام وتترك جزءًا من مهام التنمية والمناخ لجهات أخرى؟

أم يجب أن تبقى شاملة، مع تطوير آليات أبسط وأكثر فاعلية؟
هنا ينقسم الشركاء التقليديون للمنظمة، إذ ترى بعض الدول الأوروبية ضرورة تقليص الأعباء، بينما يصرّ الجنوب العالمي على إبقاء التنمية والمناخ في قلب الأجندة.

أزمة مالية خانقة

تواجه الأمم المتحدة أيضًا أزمة تمويل مزدوجة نتيجة تراكم متأخرات المساهمات الأميركية والصينية، إضافة إلى خفض واسع للمساعدات الخارجية. هذا الوضع أجبر المنظمة على تسريح آلاف الموظفين وتقليص أنشطتها الإنسانية، مما أثار تحذيرات منظمات الإغاثة من أن ملايين الأرواح قد تكون مهددة.

شخصية الأمين العام المقبل

الأنظار تتجه إلى خليفة غوتيريش، إذ يأمل الداعمون في شخصية أكثر نشاطًا وجرأة دبلوماسية قادرة على استعادة مكانة المنظمة في إدارة الأزمات العالمية. لكن التجارب السابقة تشير إلى أن القوى الكبرى المالكة لحق النقض (الفيتو) قد لا ترحب بمثل هذه الشخصية.

بين البقاء والتحلل

المشهد اليوم يوحي بأن الأمم المتحدة تقف عند مفترق طرق تاريخي:

إما أن تستغل ذكرى تأسيسها الثمانين لإطلاق إصلاحات عميقة تُعيد لها الثقة والقدرة على التأثير.

أو تنزلق تدريجيًا إلى مصير شبيه بعصبة الأمم، حيث البقاء شكليًا دون تأثير يُذكر على مجريات العالم.

وكما قال أحد الدبلوماسيين المخضرمين: "الأمم المتحدة اليوم مثل الجسد الحي الميت، لا يسقط تمامًا لكنه فقد القدرة على الحركة". ومع ذلك، فإن ما زال هناك مجال لإنعاشها، إذا توافرت الإرادة السياسية لدى أعضائها الكبار، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

تم نسخ الرابط