اعتراف تاريخي .. بريطانيا تعلن رسمياً الاعتراف بدولة فلسطين

في خطوة وُصفت بأنها تاريخية ورمزية على حد سواء، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اعتراف بلاده بدولة فلسطين ككيان مستقل، لتنضم لندن بذلك إلى أكثر من 150 دولة حول العالم تتبنى الموقف نفسه. ويأتي هذا القرار بعد أكثر من سبعة عقود على انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتزامناً مع تصاعد حدة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة والتوترات المتواصلة في الضفة الغربية.
خلفيات القرار البريطاني
يرى مراقبون أن الاعتراف البريطاني بدولة فلسطين لم يكن خطوة مفاجئة، إذ سبق أن لوّح ستارمر منذ يوليو الماضي بأن لندن ستتخذ هذا المسار بحلول انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة ما لم تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار وتبدي استعداداً جاداً نحو حل الدولتين. الضغوط الداخلية داخل حزب العمال، إلى جانب الضغوط الإنسانية المتفاقمة في غزة، شكّلت عوامل حاسمة في دفع الحكومة لاتخاذ هذا القرار.
موقف بريطانيا: دعم حل الدولتين
أكد ستارمر أن الهدف من الاعتراف ليس معاقبة إسرائيل بل إنقاذ ما تبقى من فرص السلام، مشيراً إلى أن "السلام يعني إسرائيل آمنة مستقرة بجوار دولة فلسطينية قابلة للحياة". إلا أن لندن اشترطت أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية خالية من نفوذ حركة "حماس"، وأن يتم تشكيل حكومة منتخبة ديمقراطياً في غضون عام.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
تزامن القرار مع تحركات مماثلة من كندا وأستراليا، بينما أعلنت فرنسا أنها تدرس الخطوة نفسها في إطار خطة أوروبية أوسع. في المقابل، رفضت الولايات المتحدة الخطوة البريطانية، معتبرة أنها تقوض مسار المفاوضات الثنائية المباشرة. أما في العالم العربي، فقد قوبل القرار بترحيب واسع، باعتباره يعزز الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية.
تأثير الحرب في غزة
أشارت مصادر دبلوماسية إلى أن شدة الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، وما صاحبها من انتهاكات ودمار واسع، ساهمت في تسريع الاعتراف البريطاني. فلو كانت إسرائيل قد التزمت بضبط النفس واحترام القانون الدولي، ربما لما أقدمت لندن على هذه الخطوة في هذا التوقيت.
الأبعاد الدبلوماسية للقرار
بموجب الاعتراف، سترتقي العلاقات بين بريطانيا وفلسطين إلى مستوى العلاقات الرسمية، حيث سيقدم السفير الفلسطيني في لندن، حسام زملط، أوراق اعتماده إلى الملك تشارلز، ما يمنح التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني ثقلاً غير مسبوق في بريطانيا. كما سيفتح القرار الباب أمام توقيع معاهدات واتفاقيات رسمية بين الجانبين.
المخاوف البريطانية من سياسات نتنياهو
تعبر لندن عن قلق متزايد من أن حكومة بنيامين نتنياهو تسعى إلى تقويض فرص الدولة الفلسطينية عبر ضم أجزاء من الضفة الغربية أو دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية. من هنا، ترى بريطانيا أن الاعتراف قد يشكل أداة ضغط لوقف هذه السياسات والحفاظ على آخر بصيص أمل لحل الدولتين.
الموقف العربي والدولي من حماس
وضعت بريطانيا، إلى جانب فرنسا ودول عربية، شرطاً أساسياً لنجاح هذا الاعتراف يتمثل في استبعاد "حماس" من أي حكومة فلسطينية مستقبلية. وقد جرى تثبيت هذا الشرط في إعلان نيويورك الذي حظي بدعم واسع من الدول العربية ثم اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر.
جدل داخلي وتوقعات مستقبلية
على الرغم من الطابع الرمزي للخطوة، يشكك البعض في جدواها العملية. فقد صرّح نائب رئيس الوزراء ديفيد لامي بأن الاعتراف "لن يطعم الأطفال ولن يحرر الأسرى"، لكنه يمثل رسالة أمل إلى الأجيال الفلسطينية المقبلة. ومع ذلك، فإن نجاح الخطوة يتوقف على قدرة المجتمع الدولي على تحويل الاعتراف إلى عملية سياسية ملموسة توقف العنف وتفتح طريقاً حقيقياً نحو السلام.